ليس غريبا أن تهدر حياة الإنسان في العراق ...وطبيعي ان لا تكون محل اهتمام من قبل الكثيرين ...لكن الغريب ان تهدر على يد من كلف بحفظها وحمايتها وعلقت عليه الآمال في إنقاذ ألأرواح وصيانة الحقوق والممتلكات.
كنت أرافق احد أقربائي الذي أصيب بأذى بسبب انفجار عبوة ناسفة ... في مدينة الطب.. لم يستطع الطبيب تشخيص نوع الإصابة ومقدار الضرر لأنه كان يحتاج إلى إخضاعه للفحص بجهاز المفراس ....ضل الرجل ينزف لثلاث ساعات لان غرفة جهاز المفراس كانت مغلقة بسبب تأخر الموظف الخفر في المجيء وأداء واجبه ..كانت أصوات الجرحى تتعالى والدماء تسيل والأرواح توشك أن تغادر إلى المثوى الأخير.. ما اضطرنا للذهاب بالمصاب إلى خارج المستشفى حيث سارت الاسعاف على غير هدى بحثا عن جهاز بديل ...تساءلت حينها ...كم من شخص فقد حياته بسبب تلكؤ بعض موظفي وأطباء دوائرنا الصحية في أداء واجباتهم ...وكم روح أزهقت لتعاملهم معها بدم بارد ... الأمر لا يقتصر على الجانب الصحي فقط إذ لطالما تعرض مواطنونا إلى سوء معاملة من قبل منتسبي وزارتي الداخلية والدفاع مما يلحق بهم الأذى ويصيبهم بالضرر... التساؤل الذي أود أن أشير إليه بهذا الصدد هو ...هل يحق لذوي ضحايا الأخطاء الطبية والأخطاء الأخرى المرتكبة من قبل منتسبي بقية الوزارات أن يطالبوا بتعويض عما أصابهم من ضرر نتيجة مثل هذه الأخطاء وما هو السند القانوني الذي يمكن ان يغطي مثل هذه الحالات ؟؟؟ .
الإجابة عن التساؤل
يحق لكل من أصيب بضرر مادي أو معنوي ناشئ عن تقصير موظف يعمل في مؤسسات الدولة في أداء واجباته, او الامتناع عن أدائها , المطالبة بالتعويض أمام المحاكم العراقية بعد أن كفل القانون ذلك سواء كانت هذه الأخطاء مرتكبة من قبل منتسبي وزارة الصحة أو الكهرباء او أمانة بغداد او ايا من الوزارات الأخرى, ورغم إن المجتمع العراقي من أكثر المجتمعات التي يكون فيها المواطن عرضة إلى انتهاك حقوقه إلا أن المحاكم تشهد قلة في إقبال الناس لإقامة مثل هذه الدعاوى بسبب غياب الثقافة القانونية لدى اغلب أبناء المجتمع العراقي وجهل اغلبهم بالقانون, قلة الثقافة القانونية لا تنحصر عند العامة من الناس بل هي مشكلة نجدها لدى نخبنا المثقفة أيضا وكذلك فان من أسباب ندرة دعاوى التعويض التي تقام ضد الدولة ومؤسساتها إن اغلب المتضررين هم من البسطاء الذين عاشوا في ضل أنظمة دكتاتورية كانت تتمادى في قمعهم وسلب حقوقهم وهم لا يتخيلون أن القانون كفل حقوقهم وان باستطاعتهم مقاضاة وزير الصحة اوالكهرباء او الداخلية اوالنفط ...الخ بالإضافة إلى وظائفهم , والمطالبة بالتعويض عما لحق بهم من أضرار ناشئة عن خطاء احد موظفي هذه الوزارات .
السند القانوني للتعويض
افرد المشرع العراقي في القانون المدني جملة من المواد القانونية التي عالجت مثل هذه المسائل في باب المسؤولية التقصيرية في جانب (مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه) إذ نصت المادة 219 /1 من القانون المدني على أن ( الحكومة والبلديات والمؤسسات الأخرى التي تقوم بخدمة عامة وكل شخص يستغل إحدى المؤسسات الصناعية او التجارية مسئولون عن الضرر الذي يحدثه مستخدموهم ) واستنادا إلى هذه المادة فان إي مواطن يصيبه ضرر نتيجة خطاء موظف في أي من مؤسسات الدولة العراقية يستطيع أن يقيم الدعوى أمام المحاكم للتعويض عن هذه الأضرار .
فإذا انقطع سلك كهربائي وأصاب احد المارة بأذى يستطيع هو أو ذويه الرجوع على وزارة الكهرباء بالتعويض, وإذا قام احد افراد الشرطة الوطنية بالتعدي على احد المواطنين يستطيع المتضرر الرجوع على وزارة الداخلية بالتعويض وإذا ارتكب احد الأطباء خطاء عند إجرائه عملية خاطئة أدت إلى وفاة احد المرضى جاز الرجوع بالتعويض على وزارة الصحة استنادا إلى المواد القانونية التي عالجت موضوع مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع .
شروط تحقق المسؤولية
يشترط لتحقق مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع توافر ثلاثة شروط ..أولها قيام علاقة التبعية بين من يراد تحمله المسؤولية ومرتكب الخطاء الذي احدث الضرر وذلك يعني أن المتبوع له أن يصدر إلى التابع أوامر وتعليمات تلزمه بأداء عمل معين وان له حق محاسبته في حال تقصيره أي يجب أن يكون للمتبوع سلطة الرقابة والتوجيه والإلزام تجاه التابع.
والشرط الثاني هو ارتكاب التابع لخطاء يؤدي إلى وقوع ضرر يصيب شخص ما و ثالث هذه الشروط هو أن يرتكب التابع الخطاء أثناء قيامه بخدمة المتبوع أما إذا ارتكب الخطاء خارج هذه الخدمة فلا يجوز الرجوع على المتبوع بالتعويض.
أما أركان المسؤولية فهي ثلاث أيضا ( الضرر والخطاء والعلاقة السببية بينهما )
والضرر يعرف على انه ( أذى يصيب الشخص في حق له او في مصلحة مشروعة ) والضرر إما مادي وهو الذي يصيب المال وإما أدبي وهو ما أصاب الشعور نتيجة الاهانة أو فقد الحرية بسبب الحبس آو التوقيف دون دليل معتبر قانونا .
و الخطاء هو إخلال بالتزام قانوني عن إدراك مسبق أو امتناع عن أداء التزام يفرضه القانون , في حين تعني العلاقة السببية أن يكون الضرر ناشئ عن ارتكاب الخطاء أو عن الامتناع من اداء واجب فرضه القانون .
إقامة الدعوى وطلب التعويض
في حال توافر أركان وشروط المسؤولية التقصيرية جاز للمتضرر إقامة الدعوى أمام محكمة البداءة للمطالبة بالتعويض بعد أن يثبت إن الضرر الذي أصابه كان جراء الخطاء المرتكب , ولان الخطاء واقعة مادية جاز إثباتها بكافة طرق الإثبات وللمدعى عليه الدفع بعدم تسببه بالضرر الذي أصاب المدعي .
أود التركيز على الأخطاء المرتكبة من قبل الأطباء في علاج مرضاهم باعتبارها الأشد خطر من حيث ما ينجم عنها من أضرار, فالقانون لم يلزم الطبيب بتحقيق نتيجة كالشفاء مثلا بل ألزمه ببذل عناية الرجل المعتاد والرجل المعتاد هو المتوسط الذي لا يمتلك الذكاء الكبير وفي نفس الوقت فليس هو بالمهمل او القليل الذكاء , حيث يقاس تصرف الطبيب المتهم بارتكاب التقصير بتصرف طبيب آخر يمارس نفس الفعل ويخضع لنفس الظروف الموضوعية من حيث الزمان والمكان كذلك الصحة والعاطفة والحالة العصبية .
فإذا كانت العناية التي بذلها الطبيب المتهم بارتكاب الخطاء اقل من عناية الطبيب المعتاد ألزم بالتعويض وعلى المدعى في مثل هذه الحالات إثبات إن الطبيب لم يبذل مثل هذه العناية , فإذ أجرى طبيب جراحة لاستخراج شظية في رقبة جريح وادي ذلك إلى إصابة الحنجرة وتلف الأوتار الصوتية تعرض الحالة على ذوي الاختصاص لبيان كيفية تصرف الطبيب الذي يبذل العناية المعتادة في مثل هذه الحالة فإذا كان من اجري العملية لم يستعن بطبيب إذن وحنجرة وكان الطبيب المعتاد سيستعين به ويطلب تواجده في صالة العملية للاستئناس برايه كان الجراح مخطئا لعدم بذله العناية المعتادة وجاز الرجوع على وزارة الصحة وعلية بالتعويض لأنه ارتكب خطاء عدم بذله عناية الرجل المعتاد ما ادى إلى إلحاق ضرر بالمريض .
حلول ومعالجات
تبقى مسألة ضعف الثقافة القانونية مشكلة خطير تهدد حقوق الأشخاص بالضياع والهدر رغم إن الإلمام بهذا النوع من الثقافة ضرورة لا بد منها , فقد لا يحتاج الإنسان للإلمام بالأمور الطبية أو الهندسية لعدم تعلقهما بجزئيات حياته ومعاملاته التعاقدية وتصرفاته اليومية , إلا إن الأمر مختلف مع الثقافة القانوني حيث ان إبرام عقود البيع والشراء وطلب الدين والوفاء به ومزاولة الإعمال التجارية وتحرير الصكوك والسفاتج والحياة الزوجية وما يستتبعها من طلاق ونفقة وحضانة وأبوة وبنوة والحياة الوظيفية والقانون الذي يحكم الموظف , كل هذه أمور ينظمها القانون بتشريعاته المختلفة ما يستلزم تثقيف المواطنين بهذا النوع من الثقافة, ولا يكفي دراية ذوي الاختصاص من قضاة ومحامين, لآجل ذلك نرى من الضروري نشر الثقافة القانونية بين اطياف المجتمع كافة عن طريق تضمينها في المناهج الدراسية المتوسطة والإعدادية وكذلك باستحداث دائرة في وزارة الثقافة والإعلام او في وزارة العدل تعنى بنشر مثل هذه الثقافة عن طريق فتح الفضائيات وإعداد البرامج ونشر البحوث والدراسات في الصحف والمجلات لشرح التشريعات ذات المساس بحياة المواطن وفك اللبس في نصوصها الغامضة وتعريف الناس بحقوقهم التي كفلها القانون وطرق استحصالها ما يؤسس لبناء وعي عراقي متين يمكن أن يحد من التجاوزات الكثيرة في دوائر الدولة ومؤسساتها على حقوق المواطنين .ويمكن في الوقت نفسه ان يشكل عامل ضغط على موظفي الدولة باعتبار المواطن الذي يملك دراية قانونية يصعب امامه تمرير التصرفات الغير قانونية والتي تمثل انتهاك لحقوقه
الأربعاء
اثر الثقافة القانونية في استحصال الحقوق
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق