تعتبر ليبيا من أكثر البلدان التي تزخر بتنوع مناطقها الأثرية, وتعدد الحضارات الإنسانية التي قامت على أرضها على امتداد حقب زمنية موغلة في القدم , كالرومانية والبيزنطية والفينيقية والإغريقية والإسلامية وغيرها من الحضارات التي تعاقبت على مر العصور , حضارات سادت معظمها ثم بادت … وبقيت أثارها وشواهدها دليلاً على مجد غابر وماض تولى
وتتميز بلادنا بالكثير من المدن والكنوز الأثرية الثمينة ذات القيمة التاريخية والحضارية والمعمارية، ومن الصعب جداً حصر وتعداد جميع الأماكن والمعالم الهامة التي يجب أن يراها الزائر .. فليبيا تكاد تكون كلها متحفاً لجميع حقب التاريخ التي مرت عليها خلال آلاف السنيين ،ومازالت خرائب تلك الدول وآثارها شاهد عيان على عظمتها ومكانتها . إلا أن الناظر لواقع تلك الآثار يصاب بخيبة أمل بسبب قدرتنا على إجادة فن العبث والطمس ا
ان زيارة واحدة الى المواقع الأثرية بيفرن وجنوبا بالصحراء تعطي دليلاً على مقدار الاهمال والتخريب الذي طالها . ومدينة اورو الاثرية ( الرومانية ) بالعوينية إن زرتها واقتربت منها فانك سوف تستنشق من عبق غبارها زهو الماضي التليد فيما تستشعرك عظمة الأولين، حيث تقودك دون إرادتك لسبر أغوار الماضي السحيق فتسترجع بمخيلتك حضارة نهضت ثم افلت بعد أن عفت عليها الأزمان والدهور ، وإذا أردت التعرف على شكل المدينة قبل أن تهدم آثارها، فيمكنك الاستعانة بذاكرة أحد أبنائها، لكن ممن ينتمون إلى أجيال سابقة . عبدالسلام قرضاب المشاي " رجل في اواخر الثمانيين من العمر من سكان المنطقة يتذكر شكل المدينة أثناء طفولته، يقول كان في المدينة منذ عقود مضت قصور ومباني، أتذكرها جيداً وثمة عدة مغارات وكهوف ، كنا ندخلها ونحن صغاراً أثناء اللعب، إلا أنها كانت مظلمة وعميقة فلم يجرؤ أحد على اكتشاف إلى أين تؤدي ...! لسنين . والى الأن بعد هطول الأمطار او هبوب الرياح يتم العثور على كثيرا من العملات القديمة التي تباع بأرخص الأثمان، و في اواخر الخمسينات اتت بعثة اجنبية برفقة رجال الشرطة وقامت بأعمال حفريات بالقرب من احدى السواني وعثرت على هيكل عظمى طويل وكثيرا من الرخام والفخار قاموا بتحميلها في سيارة ولانعلم مصيره ،
ومدينة اورو تمتاز بكبر مساحتها و بوجود مصادر مياه سطحية مستغلة حتى الأن ومازال منها ستة سواني من اصل 101 سانية ردمت وكذلك كهوف ومغارات كبيرة وبها مناورللإضاءة وبالتلال المجاورة رسومات منقوشة على الصخور الكبيره لحيونات مفترسة ان هذه المدينة لها قصة جد حزينة، بدأت من بديةالستينات حيث تم تركيب كسارة في وسط المدينة مازالت بقاياها موجودة حتى الأن واستمرت في العمل حتى اوخر السبعينات في انتاج الشرشور من احجار المدينة وأخذت الجرافات تحمل الاتربة والاحجار من موقع المدينة ومعها الأقواس والنقوش والاواني وغيرها من المواد التي تحكي تاريخاً عظيماً . كل ذلك كان يجري ولاحد يحرك ساكنا . وتستمر مسيرة الدمار وتكتمل بالسرقة ليلا نهارا والبيع أبخس الأثمان والتهريب الى الخارج وكذلك بالدمار والعبث الذي يلحقة الباحثون عن الكنوز والذهب لانها بلا حراسة حتى انني حين زرت المدينة وتجولت فيها لم اجد من يسال او يحاسب . وعند لقاءونا مع امانة المؤتمر الشعبي المشاشية افادو بأنهم قد رفعوا العديد من التوصيات التي تطالب بحماية هذة المدينة ولم تجد من يستجيب ،ولعلنا نجد ان من الواجب ان نسلط الضوء على هذه الحقيقة التي تجري وسط ظروف شجعت البعض من هؤلاء على عمليات السرقة ونبش الآثار بغية تهريبها الى خارج الوطن وحرمانه من هذه الكنوز الاثارية المهمة التي توثق عمق الحضارة ورسوخها من خلال ما عثر عليه . ، بينما الآخرون يحسدوننا على الثروة الأثرية الموجودة بين أيدينا ولم نحسن استغلالها .
فبدلاً من تحويل تلك المناطق إلى محميات أثرية ومرافق سياحيه، نجدها مفتوحة على مصراعيها أمام تجار الآثار ومهربي التاريخ، مقابل فتات من الدولارات وحفنة من الدينارات
وتبقى المتاجرة بالآثار وتهريبها غاية " مافيا " التاريخ، والمهمة تكاد تكون سهلة وميسرة بسبب غياب الحراسات الأمنية عن المواقع الأثرية وعدم حمايتها . كما أن ضعف الوعي بأهمية الآثار وارتباطها الوثيق بتاريخ الإنسان ووجوده، ساهم في عملية العبث بالآثار والحفريات العشوائية من قبل البعض، مما أدى إلى تشويه المعالم الأثرية وفقدانها أجزاء مهمة من مكوناتها ينبغي التفكير بطريقة مختلفة وأكثر عملية في مباشرة القضية بشمولية أكبر وأعمق واخضاع كامل الجهات والإدارات والآليات والوظائف ، الملحقة بما يفترض أنها » إدارة « القطاع الأثري ، لعملية نقد وتقييم وإعادة هيكلة وتنظيم ودعم وفق رؤية علمية سليمة وبرنامج وطني اشمل لانتشال الإدارة التقليدية من ركام البدائية ، وانعدام الفاعلية والانتاجية من أي شكل أو مستوى ليس هناك مايبرر السكوت عما يحصل أو ماهو حاصل ، وشئنا أم ابينا عاجلاً أو آجلاً ، سوف تصل هذه الترقيعات والخطوات الاجرائية الفاترة والمختزلة إلى طريق مسدود وعندها لن نجد بداً من الاقرار باتساع مساحة الخرق على الراتق ! وساعتئذٍ لن يعفى أحد من وزر ومسئولية تغييب الحلول الحقيقية والمأمونة عن مواجهة العبث التدميري الفاحش بهويتنا القومية والتأريخية والسماح بمزيد من الهدر والنزف والخسائر الباهظة
هذا المعلم التاريخي المهم , وهذه الأرض البكر التي تحمل في جوفها أسرار الحضارات الإنسانية الخالدة التي استقر بها المقام هنا , والتي أعطت خصائصها ومكوناتها وثقافاتها تنوعاً تاريخياً وأثرياً متبايناً يرسم صوراً عبر ماضي الآباء والأجداد وكيف تعاملوا مع بيئتهم عن طريق التأثير والتأثر لتبقى أثارهم صامدة في وجه الزمن , ونحن بدورنا بحاجة لإبراز حضاراتنا للعالم , وإماطة اللثام عن هذه الدرر وهذا التاريخ المشرف الذي سطره سكان هذه المنطقة عبر الأزمنة
,عندما تدب الحياة في هذا الجزء الغالي من تراب بلادنا سيصبح محجاً للسواح من كل حدب وصوب , وتتحول المنطقة إلى أهم مناطق الجذب السياحي في بلادنا
الأربعاء
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق