الاثنين

موسيقى "الفوندو"


موسيقى "الفوندو" .. روح جنوب الجزائر
:: كامل الشيرازي

ينظر كثيرون إلى موسيقى "الفوندو" التقليدية الذائعة الصيت بصحراء الساورة الجزائرية منذ سبعينيات القرن الماضي، على أنّها روح المواطن الجنوبي، تعكس زخمه وآلامه وآماله ورؤاه في الحياة، ويعد الفنان الجزائري الشهير عبد العزيز عبد الله وكنيته (علا الفوندو ) هو من ابتكر هذا النوع الموسيقي وسماه "الفوندو" (تعني العمق)، وتعتمد هذه الموسيقى على "العود" كآلة وترية يعتبرها السكان المحليون "ملكة الآلات الموسيقية" ويوظفونها في ترسيخ طقوسيات وثقافة الفوندو.

ويقول دارسون بينهم "عثمان دلباني" أنّ موسيقى " الفوندو" تجمع بين سائر التيارات الموسيقية المتضاربة في جنوب الجزائر، لاسيما منطقة الساورة التي امتزج فيها عدد كبير من الأعراق (بربر، زنوج، عرب، يهود)، ويتباهى عمداء الفوندو بكون الأخير يستوعب أنواعاً موسيقية عديدة من الإفريقية والعربية إلى موسيقى الهول والجاز، كما تمتاز الفوندو بمزجها بين الموسيقات العالمية في قالب حر يقيده الايقاع.

وتشهد موسيقى الفوندو المنفردة بطابعها الصوفي اللامتناهي، إقبالا واسعا من شباب الجنوب، ويذهب كثير ممن استجوبناهم إلى أنّ تأثير الفوندو شبيه بأثر التخدير، ما أرغم السلطات إلى منع استماع موسيقى الفوندو في السيارات وكذا الحافلات لاسيما في فترات الليل، ويقول عبد العزيز عبد الله أبو الفوندو:"إنّ كل آلامي وكل ما يرهقني يتدفق ساعة عزفي للفوندو، ويخرج فيلقي بي في أتون السعادة المطلقة أو الجنون المطلق".

وساعدت هجرة أبو الفوندو في بداية التسعينيات إلى فرنسا، على انتشار موسيقاه دوليا، وقوبلت في كثير من العواصم الغربية بكل حفاوة ووُصفت بـ"الجديدة والعجيبة"، ويصنف عبد العزيز عبد الله وكنيته (علا الفوندو) ضمن العازفين المميزين في العالم بشهادة كثير من النقاد.

وتأخذ هذه الموسيقى شكلا يطلق عليه محليا "القعدات الفنية"، حيث يشكّل عشرات الموسيقيين حلقات عامرة ويشرعون في العزف على العود مستعينين بجوقة تسترسل في ترديد طقطوقات مستوحاة من التراث الشعبي المحلي، وتتمظهر هذه المحافل المطوّلة كسهرات فنية وأعراس تقام فعالياتها وسط الأحياء الشعبية، ويردد الحاضرون مجموعة من القصائد الشعبية، منها من يأخذ شكلا المدائح:

صلى الله على المصطفى * سيدنا محمد نرجاو أشفاعتو

وأخرى في الغزل:

طفلة مليحــة دلالي مـقواني * منها القلب زاد اعزابو

يامـــن ادرا أيـــــدور شـــرع الله * في ناسها ايعود ايصيبو

مشيــــت للقـــــاضـــي نشـــــكي * تما نعيد ليه اونحكــــي

لوصبت راحتي مهلكي محبوبـي * عــــازفــــــي قلبـــــــي

ارحايلي عليها غابو لله بالقاضي قدر

ورغم رواج هذا النمط الموسيقي الأخاذ، وشعبيته في مختلف أنحاء العالم من خلال جولات الفنان/الظاهرة "علّة"، إلاّ أنّه ظلّ محدود الانتشار محليا، حيث ظلّ مقتصرا على منطقة الجنوب وبدرجة أقل الغرب الجزائري، وهو ما يتأسف له الأكاديمي "لحسن تركي" المختص في الأبحاث حول التراث الموسيقي الجزائري والعربي، وحتى لا يندثر إرث "الفوندو"، واظب عرّابوه على تنظيم تظاهرات هنا وهناك بهدف تجديد العهد وتشجيع الجيل الجديد على ممارسة هذا الضرب الموسيقي الأصيل، ما ساعد مؤخرا على تأطير 40 شابا من مختلف مناطق البلاد.

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا لك أخي على هدا المقال الرائع انا من سكان الساورة فموسيقى الفوندو لعلا تستعمل في بعض المستشفيات للتخفيف من الام المرضى وشكرا لك الف شكر لتعريفك هدا بموسيقى الفوندو

    ردحذف