الاثنين

الأرملة في الموروثات الشعبية

سقطت الشجرة الآن يبدأ التسلق عليها
حول العالم ..الأرملة في الموروثات الشعبية

جلابة الحزن.. ذات الدموع الكاذبة. الخرقة البالية.. التي لا تأتي لبيتك وحدها ولكن تحضر معها شبح رجل احتضر قبلك، فلا تتفاءل وانتظر على يديها دورك.. تبكي بعين وتبحث بالأخرى عن صيد جديد، لا يوقفها عنه حتى سواد الحداد الذي يغطي كتفيها.. حزينة.. تعسة.. انتهى أمرها ولن يكتب لمثلها فرح

ليست أقوال عرافة لرجل يخاف من امرأة تقف على باب حياته، ولكنها خلاصة لتجارب شعوب أبدعت في صياغة أمثال تسخر من الأرملة، وتقهرها، وتحذر من يقترب.
وفي هذا تلاحم الجميع.. الأبيض والأسود.. الشرقي والغربي.. المتدين والملحد.. مجتمعات تلاقت على قدر امرأة ضعيفة، لم يفرقهم اختلاف أنماط الحياة وألوانها، ولم توقفهم معان قديمة قدم الإنسان يطلقون عليها "الإحساس بالغير".
للأرملة.. الموت أفضل جدا
ونبدأ بالأمثال الأقل عنفا، وهي التي أرادت أن تتعاطف مع المرأة فزادتها حزنا وهمًّا فوق ما بها، ودفعتها لمزيد من السلبية والاستسلام.. للاكتئاب وادعاء قلة الحيلة.
فيقول المثل العربي: "اللي ربنا متمم لها سعادتها يطلع جوزها بجنازتها"، وتقول الحكمة الهندية لطاغور: "من تمت قبل زوجها فسيوفر هذا لها باقة زهور على قبرها، وإن ماتت بعده فقد تحولت إلى خرقة بالية"، أما المثل الإفريقي فيوصفها بـ"سقطت الشجرة.. الآن يبدأ التسلق عليها".
وفي كتابها (إياك والزواج من كبيرة القدمين)، تعلق" مينيكة شبر" الباحثة الهولندية بالتراث الشعبي قائلة إن هذه الأمثال تعكس معرفة شعب بحقيقة ثقافته، وترجح أن تكون أغلب هذه الأمثال وضعها نساء لا رجال، فهن يعلمن أن من يموت زوجها تصبح عرضة لعقاب اجتماعي، في حين أنه في حالة موت الزوجة يبادر الجميع بالتعاطف مع الزوج، ودفعه لبدء حياة جديدة، أما هي فتعاني وحيدة ألم الماضي ومخاوف المستقبل، بعد أن فقدت سندها المادي والوجداني، وانسدت أمامها منافذ الأمل لوجود حياة أخرى سعيدة؛ حيث يعيقها إحساس داخلي بالوفاء والمسئولية تجاه الأولاد والرهبة من الخروج إلى المجتمع ومواجهته.
شبح.. يخيم على بيتنا
ولكن لم تخرج عن النساء فقط الأمثال المتعاطفة مع الأرامل، فهناك أيضا أكثرها كرها وحقدا على الأرملة كما يقول "رشوان أمين"، الأستاذ بمعهد الفنون الشعبية، والذي أشار إلى تغليب احتمال خروج الأساطير والأمثال وغيرها من أفواه النساء في العالم القديم، حيث كن يجلسن طوال الليل في انتظار أزواجهن، ولا يوجد ما يجمعهن غير الثرثرة واختلاق القصص والحكم، وأشار إلى أن هناك بعدا نفسيا يجعل المرأة ذات الجسد الضعيف تنفس عن غضبها في شكل انتقام لفظي من كل ما يحيط بها.
ولم يستبعد الروائي المصري "بهاء طاهر" هذا التفسير في روايته "واحة الغروب" التي تدور أحداثها في بداية القرن العشرين بواحة سيوة جنوب صحراء مصر، وبها نتابع مصير "الغولة"، وهى أسطورة شعبية قاسية تصور الأرملة على أنها رسول لملك الموت، وهناك الثوب الأبيض -رداء الأرامل هناك- لا تخلعه إلا بعد فوات أربعة أشهر تقبع خلالها في حجرتها لا تخرج أبدا، تعيش متسخة لا تستحم لا تتزين.. والأهم أن لا يراها أحد؟ لأنها ما زالت يسكنها هذا الشبح "الموت"، فهي من جلبت هذا الشؤم لروح المتوفى، وعزلها هو نوع من التطهر، وإن حدث وخرجت من قبوها أو لمح أحد طرفها، فلا تبك على هذا البلد الذي سيسقط أرحام نسائه، ويمرض أطفاله، وتجف أرضه بعد أن شهدت "الغولة" سماءه، وهنا يكون الحل البديهي هو قتلها!!.
يرحم المرحوم
ومن أساطير الواحات لضجيج الآلات لم يختلف الفكر كثيرا.. فيوجه المثل الأمريكي لكل أرملة اتهاما بالقتل، ولهذا تكون النصيحة "لا تتزوج الأرملة إلا إذا كان زوجها قد شنق".
وليس هذا هو النصح الوحيد الذي تحصن به الشعوب رجالها من خطر الأرملة ومجازفة الارتباط بها، فهناك أيضا تحذيرات الخيانة؛ حيث يقول المثل الأسكتلندي "الرجل الذي يتزوج أرملة لها ابنتان له ثلاثة أبواب خلفية"، أو يتزوج ثلاثة لصوص كما يقول المثل الدنماركي.
وهناك الأمثال التي لم تتهمها، وإنما رأت فيها بقايا إنسان ومتعلقات شخص آخر ستبقى تحمل رائحته، فيقول الإسبان: "البغل الذي روضه شخص آخر سوف يحتفظ ببواقي هذا الترويض"، أما الإنجليز فيقولون: "من يتزوج أرملة غالبا ما سيجد رأس رجل ميت ملقاة في طبقه"، ونصح العرب رجلهم فقالوا له: ما تاخد الهجالة "الأرملة" ولو كان خدودها مشموم "ورد".. تخدمها خدمة الرجالة وتقول يرحم المرحوم"، وجاءت كلمات البولنديين مباشرة "لا تتزوج أبدا من أرملة.. فكل مرة تتشاجران فيها ستذكرك بزوجها الميت"، وأخيرا كانت الحكم الهندية أقل فظاظة فيقول "باشتا": "الأرملة وحدها تحلم حلم مزدوجا".
برد وحرق وخيانة
بالفعل الجميع يلومونها ولكن تلاحظ أيضا أن الشرق يتجه لتحجيمها ونفيها ودفنها عنوة في ذكرى زوجها، أما الغرب فيتحسس رأسه عندما يراها ويحذر من سعيها لنصب شباكها حول رجل آخر.
فيقول المثل الصيني للتنفير منها: "المرأة بالطبع لديها خبز جاهز، ولكنه عفن"، ويقول الأفارقة: "من الخطورة أن تركب جوادا بعد فارس شجاع، وأن تتزوج أرملة بعد رجل قوى"، ويقول أهالي رومانيا: "الأرملة كفطيرة الكبد لا تعرف أبدا ماذا وضع فيها".
ولم يقتصر الأمر على الأقوال والغمز واللمز، ولكن وصل إلى حد إطلاق حكم بـ"الحرق" لها كما كان يحدث بالهند، فالأرملة في عرفهم لا داعي لبقائها حية بعد رحيل زوجها.
أما لسعات برد أوروبا فتجعل الجميع يفكر في سعي المرأة الوحيدة سريعا للدفء، فيقول الألمان: "قلوب الأرامل الصغيرات كالأواني الصغيرة تبرد بسرعة"، بل وصل الأمر إلى عد أنفاسها كما يقول الفرنسيون: "الأرملة التي تتنهد ترغب في الزواج"، و"الأرملة المسرعة تمر بالرجل الوسيم" كما رآها الأيرلنديون.
ويرى الباحث أن اختلاف الأديان وأحكام الزواج أدى إلى بعض الاختلافات في النظر لمستقبل الأرملة، وقصد بكلامه المسيحيين الذين لا يملكون حق الطلاق في زيجاتهم، فيكون أحيانا التخلص من الزوج بالموت هو الفرصة الحقيقية لبداية طالما حلمت بها الزوجة.
ولهذا لا يصدق الإنجليز حزنها ويقولون: "البصل يجعل حتى الأرامل يبكين"، وإذا أراد أمريكي وصف آخر بالنفاق قال "تبكي كأرملة"، ورغم أن المثل الإسباني تحدث عن زواجها لكنه اقترحه كاختيار أخير لتجنب فتنتها، فـعلى الأرملة إما أن تتزوج أو تدفن وتذهب إلى دير لكن لا تترك هكذا فرسا بلا خيّال".
هكذا تحدث العالم عن الأرملة، فهل لا زالت هناك علامات تعجب حول طريقة تصرفه معها؟!.
________________________________________

صحفية مهتمة بالشأن الاجتماعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق