الجمعة

علـي بن أبي زرع الفاسـي

حــول فتوحات عبد المؤمن بن علي
النص لصاحبــه علي بن أبي زرع الفاسي الذي عاش و مات بالمغرب في النصف الأول من القــرن الثامــن الهجري ، و الذي كان عنوانه " الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب و تاريخ مدينة فاس" يتضمن الكتاب تاريخ المغرب منذ سنة 145ه/762 م إلى سنة 726ه/1325 م ، أي أنه يتناول تاريخ الأدارسة و دولة المرابطين و الموحدين و بني مرين حيث اعتمد المؤلف على عدة مصادر في تأليفه ووثائق رسمية خاصة ، اهتم به المستشرقون و ترجموه إلى لغات أجنبية مختلفة ، كاللاتينية و الألمانية و البرتغالية و الإسبانية و الفرنسية.
الفكرة العامة:
فتوح عبد المؤمن بن علي و تحرير مدينة المهدية.
الأفكار الرئيسية:
1- تكسير بلاد إفريقية و تحرير مدينة المهدية سنة 555ه .
2 - بناء جبل الفتح و تحصينه.
- 3 - بناء مدينة البطحاء و مؤامرة قتل أمير المؤمنين. شرح مصطلحات النص :
المهدية: مدينة في الشمال الإفريقي بناها عبد الله المهدي مؤسس الدولة الفاطمية ، و قد اختلف المؤرخون في تاريخ تأسيسها فمنهم من يقول في سنة 304ه ومنهم من يقول في سنة305ه ، حيث بذل عبد الله في بنائها و تحصينها أموالا طائلة ليتخذها مقرا له و يجعل منها عاصمة للدولة الفاطمية .
جبل الفتح: يعتبر من أهم الأعمال العسكرية التي قام بها عبد المؤمن بن علي و خلدت ذكراه حيث أمر ولده أبا سعيد وليد عثمان ببناء جبل الفتح سنة 555ه/1160م ، و هي مدينة بحرية حصينة بناها على سفح جبل طارق و سماها مدينة الفتح، " لتكون قاعدة عسكرية كبرى لتجمعات جيوشه القادمة من المغرب ، و منذ ذلك الوقت صار جبل طارق يعرف أيضا بجبل الفتح" ،و قد قام ببناء هذه القلعة البحرية عدد كبير من العمال و البنائين الأندلسيين ، كما أشرف على بنائها مجموعة من المهندسين المشهورين
أمثال : الحاج بن يعيش المالقي و العريف أحمد بن باسة ، حيث نزل بجبل الفتح عبد المؤمن بن علي و مكث هناك شهرين أشرف خلالهما على شؤون الأندلس.
وهران:مدينة من المدن التي تحتل مكانة كبيرة في التاريخ الجزائري خلال العصور الوسطى و هذا راجع للدور الذي قامت به في الميدان السياسي و الاقتصادي و الثقافي ، و يقال أنها شيدت على أنقاض المدينة الرومانية القديمة التي تقع غرب مستغانم باسم " إيفري " و سميت باسم وهران نسبة إلى إحدى القبائل المجاورة لها ،تقع على ساحل البحر المتوسط بالقرب من المرسى الكبير و أعيد بناؤها من طرف الأندلسيين سنة 290ه / 902م لعدة عوامل اقتصادية لأنها على الطريق التجاري الذي يربط غرب المغرب الإسلامي بشرقه و سهولة الاتصال بالمدن الداخلية كتلمسان و تيهرت ، كما تتوسط موانئ الغرب الجزائري مثل : تنس، أرزيو، رشقون و هنين التي عرفت بنشاطها التجاري خلال العصور الوسطى.
البطحاء: مدينة أسسها عبد المؤمن بن علي سنة 555ه / 1160م و هي معروفة باسم " السدرة " بأرض هوارة في نواحي الشلف بالشمال الشرقي من غليزان و فيها دفن شيخه و أقام على قبره قبة و أنشأ بجواره مسجدا و هي منعدمة اليوم، و يقال انها كذلك هي قرية " المطمر " التي كانت تسمى في عهد الاستعمار " كلانشا " .
لكن في نظري أن هذه المعلومات افتراضية و غير مؤكدة تاريخيا و أثريا، و لم أستطع تأكيدها من المصادر و هذا راجع لإلى انعدام المكتبات التي توجد بها مثل هده المصادر في منطقة ولاية النعامة و ضيق الوقت لارتباطي بالعمل في مديرية الثقافة حيث لم أتحصل إلا على مدة يومين كرخصة غياب للذهاب إلى الجزائر العاصمة لمزاولة الدراسة و لهذا البحث ناقص من الاعتماد على المصادر التاريخية مثل:كتاب حسن الوزان " وصف إفريقيا " لأن بناء هذه المدينة في هذه المنطقة يعتبر أهم حدث حضلري بارز بالمغرب الأوسط على عهد الموحدين حيث ترتبط المدينة بمسائل تاريخ المغرب الأوسط.

عبــد المؤمن بن علي مؤسس الدولة الموحديــة
اشتق الموحدون اسمهم من مذهب التوحيد أو وحدانية الله، نشأ هذا المذهب الديني و الفكري في بداية القرن 6ه / 12م على يد محمد بن تومرت ، تأثر بآراء المعتزلة الذين كانوا يسمون أنفسهم بأهل العدل و التوحيد.
و يعود نسب عبد المؤمن بن علي مؤسس الدولة الموحدية إلى قبيلة " كومية " التي تعتبر إحدى بطون بني فاتن و التي تنحدر جذورها من قبيلة زناتة ، ولد بقرية تاجرا بالقرب من مدينة ندرومة على بعد ثلاثة أميال من مرسى هنين، و قد اختلف المؤرخون في تاريخ ميلاده بين سنة 494ه أو495ه .
كما ان بعض المؤرخين يرى أن أصل عبد المؤمن عربي حيث يقال أن بن تومرت حينما سأل عبد المؤمن عن نسبه في أول لقاء لهما أخبره أنه من قيس عليان ثم من بني سليم، فقال بن تومرت هذا الذي بشر به النبي صلى الله عليه و سلم حين قال أن الله ينصر هذا الدين في آخر الزمن برجل من قيس ، فقيل من أي قيس فقال: من بني سليم ، وواضح أن سليم و قيس ينتميان إلى مضر التي منها قريش.
و كذلك يروي المؤرخون أن عبد المؤمن بن علي كان يقول لمن يذكر له اسم قبيلة كومية البربرية التي ينتمي إليها و هي من بطون زناتة بنواحي تلمسان أنا لست منهم و إنما نحن لقيس بن عيلان و لكومية و علينا حق الولادة بينهم و المنشأ فيهم و هم الأخوال.
الرأي الراجح و الذي استقر عليه رأي جل المؤرخين أن عبد المؤمن بن علي من قبيلة كومية البربرية الزناتية.
أدخله أبوه إلى الكتاب بمسقط رأسه حيث حفظ القرآن الكريم في صغره ، و بعد ذلك تعلم علوم اللغة و الآداب و الفقه و التوحيد و التاريخ حتى أصبح نابغة يضاهي علماء عصره في كل الميادين العلمية المختلفة.
توفي عبد المؤمن بن علي في سلا سنة 558ه/1163 م و دفن في مدينة تينملل بجوار قبر المهدي.
فتــوح عبد المؤمــن و تحرير مدينة المهديــة

من خلال نص علي بن أبي زرع الفاسي الذي بين أيدينا و الذي أورده في كتابه : الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغري و تاريخ مدينة فاس، حيث يتكلم عن فتح بلاد المغرب من طرف القائد العسكري و السياسي عبد المؤمن بن علي و بالتحديد في سنة 555ه و التي تعتبر سنة مهمة و مليئة بالأحداث في تاريخ الدولة الموحدية بقيادة عبد المؤمن بن علي ابتداء من فتح المهدية و تكسير الأرض و تقسيمها و تنظيمها سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و عمرانيا بالإضافة إلى بناء جبل الفتح
و مدينة البطحاء.
و لو تتبعنا هذه المرحلة من خلال الأحداث التاريخية المتتالية التي وقعت فيها و بناءا على ما ورد في نص علي بن أبي زرع الفاسي الذي هو بين أيدينا الآن نجد أن أحداث هده الفترة تبدأ من سنة 553ه/1158م حينما غادر عبد المؤمن بن علي مدينة مراكش بعدما استخلف على رأسها ابنه الأمير علي و أبو حفص عمر بن يحيى الهنتاني متوجها إلى مدينة تونس بجيوش جرارة وصلت إليها سنة 554ه حيث فتحها عبد المؤمن عنوة و عرض على النصارى و اليهود الإسلام أو القتل ، ليتوجه في نفس السنة إلى المدينة لتطهيرها هي الأخرى من النصارى حيث كانت محصنة تحصينا طبيعيا يحيط بها البحر من ثلاث جهات و كانت لها أسوار قوية و متينة، فحاصرها عبد المؤمن مدة طويلة حتى دخلها في سنة 555ه/ 1160م و مكث فيها نحو عشرين يوما يرتب أمورها و عين على ولايتها أبو عبد الله بن محمد بن فرج الكوفي .
أما فيما يخص تكسير البلاد إلى فراسخ و أميال طولا و عرضا من طرف عبد المؤمن بن علي راجع إلى اتساع رقعة الدولة الموحدية ، فبعدما أتم عبد المؤمن افتتاح المغرب الأوسط و إسقاط إمارة بني حماد فيه و افتتاح المغرب الأدنى و إجلاء النورمانديين إلى صقلية أصبحت دولة خلافته تمتد من حدود برقة شرقا حتى المحيط غربا، و يشمل سلطانه معظم بلاد الأندلس الإسلامية و تم تعيين ابنه وليا للعهد و عقد لأبنائه على أغلب ولايات الدولة ، كان لزاما على هذه الدولة بناء نظام اقتصادي لتمويل المنشآت الحربية من قلاع و حصون و جسور و تزويد الجيوش بالأسلحة و الذخيرة و النفقات اللازمة لهم من مأكل و ملبس و مشرب و لذلك عمل عبد المؤمن على تطوير صناعة السفن و الأساطيل و الحياكة و المنسوجات و صناعة الجلود، و أمر بمسح الأراضي الزراعية و أقسط الثلث مقابل الجبال و الأنهار و السبخ ، و أقام الخراج على ثلثي الرض و ألزمت كل قبيلة بقسطها من الزرع و المال وإعطائها النصائح العلمية حتى تأتي الأرض بمحصول.
كما أمر عبد المؤمن بمصادرة أموال اليهود و النصارى الذين لم يسلموا و تحويل اموالهم غلى خزينة الدولة لتمويل الحركة الجهادية و توزيع الفتوحات التي كان يصبو إليها عبد المؤمن بن علي لتوسيع الدولة ، هذا بالإضافة إلى التجارة الداخلية و الخارجية التي أعطاها عبد المؤمن العناية الفائقة حيث سهل عملية البيع و التعامل مع رعاياه حيث رفع المكوس على التجارة الداخلية وفرض رقابة مستمرة لضبط الموازين و منع بيع السلع الفاسدة ، و نشطت التجارة الخارجية مع الدولة المجاورة.
و من هنا نستطيع ان نقول ان عبد المؤمن ضبط مساحة الشمال الإفريقي من تونس حتى السوس الأقصى و تكسيرها على الفراسخ و الأميال و هذه الطريقة تعتبر من مبتكرات الدولة الموحدية و ذلك بوضع الأرجام في الصحراء و الفلوات و غيرها وإجراء عملية الإحصاء العام للسكان، و تحديد المناطق الصالحة للزراعة و نقل المزارعين إليها و على وفق هذا النظام كان وضع الخراج و تقديره حسب مساحة البلاد.
أما فيما يخص جبل الفتح الذي بناه عبد المؤمن سنة 555ه/ 1160م حسب نص علي بن أبي زرع الفاسي فهو يعتبر من أهم الأعمال العسكرية التي قام بها عبد المؤمن حيث أمر ولده أبا سعيد عثمان بنائه ، و هي مدينة عسكرية بناها على سفح جبل طارق و سماها مدينة الفتح لتكون قاعدة عسكرية كبرى لتجمعات جيوشه القادمة من المغرب و منذ ذلك الوقت صار جبل طارق يعرف أيضا بجبل الفتح .
و في هذه السنة أيضا 555 ه/1160 م و أثناء رجوع أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي من لإفريقية إلى المغرب و معه جيش جرار يحتوي على عدد هائل من القبائل العربية مثل بني هلال
و قبائل البربرمن أهل عبد المؤمن التي ناصرته في دعوته حيث نقل معه ألفا من كل قبيلة منهم لينزلهم بالمغرب الأقصى ليكونوا بالقرب منهم حتى يسهل عليه مراقبة تحركاتهم، و ليبعد شر هذه القبائل عن إفريقية و المغرب الأوسط و يجعلها في متناول يده و كسب ودها و استخلاص ولائها و يجعلهم عصبة يتقوى بهم ضد أي ثورة محتملة تقوم ضده.
و لما طالت الإقامة بالموحدين بالمشرق تغربوا عن أولادهم و أخذهم الشوق إلى أوطانهم عزمت طائفة منهم قتل عبد المؤمن و الفتك به حتى يتخلصوا منه و ينهي أمره بينهم، فنسجوا له خطة محكمة لقتله أثناء النوم في خبائه و توافقوا على ذلك لكن أحد شيوخه المخلصين له علم الخبر و أمر أن ينام مكانه في تلك الليلة ، فبات الشيخ على فراش عبد المؤمن فاستشهد ، و لما علم عبد المؤمن بامر مقتل هذا الشيخ أخذه و حمله بين يديه مقتولا على ناقته حيث أمر بدفنه و بنى عليه قبة و بنى بجوار القبة جامعا ثم أمر ببناء المدينة والتي سماها مدينة البطحاء و هي مدينة معروفة
" بالسدرة " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق