الخميس

اللغات في الجزائر

تعدد اللغات و اللهجات في الجزائر بين اللغات الام و العربية الفصحى و اللغات الاجنبية؛ مما جعلها من بين الدول ذات التعددية اللغوية ، و الصراع اللغوي. و هذا جانب من هذه الخارطة أحببت نقله اليكم لعله يفيدكم و يثري معلوماتكم
- 1اللغات الأم:
أاللغات الأمازيغية:
تعد اللغات الأمازيغية اللغات الأم لسكان بني مازيغ ، و بالتالي فقد سبقت هذه اللغة التواجد العربي على هذه الأرض.
واللغات الأمازيغية<<لها امتداد لساني معروف قديما في منطقة المغرب العربي >> 1 بالإضافة إلى مصر ، و النيجر ، و مالي . 
تعد الجزائر و المغرب الأقصى أكثر هذه البلدان احتواء على هذه الأقليات الناطقة باللغات الأمازيغية، و لا نكاد نعثر على إحصائيات حقيقية عن نسبة المتحدثين بهذه اللغات في الجزائر ، سوى ما تؤكده بعض الكتب و الأبحاث ذات الاتجاه الغربي ، و التي من بينها ما أورده كل من جلبير غرانغيوم و سالم شاكر بأنها تقدر بنسبة 20% إلى 25 %من سكان الجزائر الإجمالي .

تتوزع الأمازيغيات في الجزائر إلى مجموعات كبيرة أهمها:
1-القبائلية : و هي اللغة الأمازيغية الأكثر انتشارا و تعد << منطقة القبائل أهم منطقة ناطقة بالأمازيغية ذات مساحة محدودة ، لكن كثافتها السكانية جد مرتفعة ، ويحتمل أن تعد لوحدها أكثر من ثلثي الجزائريين الناطقين بالأمازيغية>>
و تشمل منطقة القبائل : بجاية و تيزي وزو ، مع وجود أقليات في المحور الممتد من سطيف إلى العاصمة و يضم ) سطيف ، برج بوعريريج، البويرة، العاصمة(.

2 - الشاوية: و هي اللغة التي يتحدث بها مجموعة من السكان الأمازيغ القاطنين بجبال الأوراس ضمن ولايات : باتنة ، أم بواقي، خنشلة، تبسة، و الجهة الجنوبية من سطيف.

3 - الطواريقية: يتحدث بها الطوارق ، وهم قبيلة كبيرة موزعة بين الجزائر، ليبيا ،
و النيجر ، لا يتعدى عدد المتحدثين بها في الجزائر بضع عشرات الآلاف نسمة.

4 - الشلحية: و هي لغة السكان المتمركزين في مناطق متفرقة كتيبازة ، ومدن الشريط المحاذي للمغرب الأقصى كمغنية ، ولهم امتدادات عالية في المغرب.

5 - الميزابية: وهي اللغة التي يتحدث بها سكان بني ميزاب ، المستوطنون في غرداية
و المدن الاباضية الأخرى من الجنوب الجزائري.


تمثل هذه الأقسام ، اللهجات الأكثر استعمالا من قبل المجموعات الناطقة باللغات الأمازيغية ،مع وجود أقليات لا يتجاوز عدد المتحدثين بها عشرات الآلاف نسمة مثل : ورقلة، نقوسا ، قورارة ....
و اللغات الأمازيغية ،لغات شفوية بمختلف لهجاتها و لكن هذا لا يعني عدم وجود كتابة لهذه اللغات، كتبت الأمازيغيات بحروف اللغة القبائلية المسماة التيفناغ التي يقول عنها جلبير غرانغيوم << للغة البربرية حروف هجائية خاصة هي التيفناغ ، لم تنتشر أبدا بشكل جيد ... و النصوص البربرية التي دونت تم تدوينها إما بحروف عربية عن طريق إدخال بعض التعديلات أو بحروف لاتينية...>>
تتميز حروف التيفناغ بنمط خاص حيث << تكتب التيفناغ من اليمين إلى اليسار كالعربية ، و لكنها ذات حروف حرة يمكن كتابتها عموديا أو أفقيا أو من فوق إلى أسفل أو العكس ، و في كل الحالات يمكن للحرف أن يلتفت نحو اليمين أو نحو اليسار ، أو إلى فوق أو أسفل ، وهكذا فان حرف ط و شكله E يمكن أن يكتب E أو أو أو >> ولم تكن التيفناغ الحروف الوحيدة التي كتبت بها اللغات الأمازيغية، فقد اكتشف بعض المستشرقين في العهد الاستعماري في الجزائر أمثال فانتو ر دي برادي و ديلا بورت و بروسلا ر و هانوت بعض الحروف خاصة في منطقة الطوارق و لعلها أسبق ظهورا من التيفناغ ، و تسمى هذه الحروف التي كتبت بها لهجة الهقار << التمشق>> و هي تتكون من 19 حرفا يتحدث بهذه اللهجة في جنوب الهقار ، أما في الشمال فكانوا يتحدثون بلهجة تسمى<< التماهق>> و التي يقول عنها السيد كاوي:<<فيما يتعلق بالقواعد ، تقترب هذه اللهجات كثيرا من القبائلية و كل اللهجات الأمازيغية لشمال أفريقيا ، إلا أنها تبقى مختلفة على مستوى المفردات ، فاللهجات التماهقية أكثر صفاء من اللهجات الأخرى التي تسربت إليها كلمات عربية ، كما تعتبر التماهاق اللهجة الوحيدة التي تمكنت من الحفاظ على أبجدية...>>
تسعى بعض التيارات المهتمة الأمازيغيات من خلال بعض الدراسات و الأبحاث إلى إيجاد كتابة علمية موحدة يمكن من خلالها كتابة هذه الأمازيغيات ، و قد تم اختيار حروف التيفناغ لتطويرها، و بالتالي اعتمادها ككتابة مشتركة لهذه اللغات .
لقد سبق القول إلى أن الأمازيغيات هي اللغات الأم للناطقين بها ، تبلغ نسبتهم حوالي 20% من العدد الإجمالي لسكان الجزائر،و لمطالب بعض التيارات الناطقة بهذه اللغات أصبحت) اللغة الأمازيغية( اللغة الوطنية الثانية بعد اللغة العربية في الجزائر ابتداء من سنة2002 .و لم تتأت لها هذه الشرعية الدستورية إلا بعد سنوات من المشاكل الطاحنة مع السلطة أثارها اتجاه ناطق )بالأمازيغية( يدعي أن هويته ضائعة و حقوقه مقبورة و مضطهدة ما لم يعترف بوطنية و رسمية لغته.

ب (اللهجات العربية الجزائرية:

يتواجد بالجزائر عدد كبير من اللهجات العربية ، و التي تعد كلغة أم للناطقين بها ، تستعمل كأداة للتواصل اليومي في وسط العائلة و مع الأصدقاء ، و في جميع المناسبات
و الوضعيات غير الرسمية ، كما أنها أداة مهمة و وسيلة لحمل الثقافة الشعبية من شعر و نثر شعبي.....
و اللهجات العربية في الجزائر تتنوع و تختلف حسب ظروف كل منطقة، لذا يمكن تقسيمها إلى أربعة أصناف:
- الصنف الشرقي : و هو الخاص بمنطقة الشرق القسنطيني.
- الصنف المركزي) الوسط (: خاص بمناطق العاصمة و الوسط الجزائري.
- الصنف الغربي: يوجد في منطقة و هران.
- الصنف الصحراوي : يوجد في المناطق الصحراوية.
و تعود أسباب اختلاف اللهجات الجزائرية و تعددها إلى مجموعة عوامل أهمها:
- اتساع رقعة الجزائر و امتدادها ، جعل استعمال لهجة واحدة أمرا مستحيلا.
- طبيعة و سياسة أنظمة الحكم الاستعمارية التي مرت على الجزائر ، فمن نظام استعماري إلى أخر و لكل و سائله ، و لكنها تشابهت في فرض سياسة العزلة و غلق الأبواب بين منطقة و أخرى .
يقول أبو القاسم سعد الله:<< نظام الحكم نفسه ساعد على عزلة الناس عن بعضهم ، فهو حكم أقلية غريبة عن أهل البلاد فظلت أقلية متقوقعة على نفسها،و نتيجة لذلك كانت العاصمة عاصمة فقط من حيث المركزية السياسية و السلطة.أما ثقافيا و حتى تجاريا فلم تكن هي عاصمة البلاد،كان كل إقليم له عاصمته ، و كانت السلطات الإدارية قد جعلت البلاد تشكل وحدات )فيدراليات( مستقلة و لكن دون وجود حدود تجارية أو تعليمية.وهذا الوضع كله قد ساعد على بقاء اللهجات مجهولة عن بعضها البعض>>
- العامل الاخر في اختلاف اللهجات العربية الجزائرية ، هو -ما سبق ذكره- اختلاف لهجات القبائل الفاتحة و في هذا يقول جلبير غرانغيوم:<< ...هذا التنوع يغير مكانه داخل العائلات الكبرى للهجات وهران الغربية ، الشرق )قسنطينة (، و الوسط )الجزائرية ( أصل هذه الاختلافات عموما للهجات الخاصة للسكان العرب الذين جاؤوا يقيمون من مختلف أجزاء الشرق الأوسط>>
و في مرحلة ما قبل الاستعمار و أثناء هذه المرحلة ، كانت الهوة كبيرة بين مختلف اللهجات العربية الجزائرية ، ربما يكاد الجزائري لا يفهم أخاه في منطقة أخرى ، ولكن في السنوات الأخيرة –بعد الاستقلال - << شهدت هاته اللهجات في الجزائر تحولات عدة ، وذلك بفضل الطرق المتبعة من طرف الدولة و التي عمدت إلى التعريب ، و إلى منح حق التمدرس لجميع أبناء الشعب ، وكذا اعتماد وسائل الإعلام في الجزائر إلى مخاطبة الشعب باللغة العربية >> مما ضيق هذه الهوة ، و قرب اللهجات من بعضها البعض ، حيث أصبحت تغلب عليها المفردات العربية.
لم تكن اللهجات العربية في الجزائر – قبل الاستعمار - تخرج عن وظيفتها التقليدية التي أوكلت لها كأداة للتواصل اليومي بين عامة الناس ، أو التعبير عن بعض فنون الثقافة الشعبية - كما سبق ذكره- ولكنها بعد الاحتلال ل تغيرت وضعيتها ، إذ أصبحت سلاحا من أسلحة فرنسا ، استعملت بدافع التفرقة و مسخ الشخصية الوطنية .
و في هذا تقول عائشة عبد الرحمن :<< و إلى أن يتم الغزو ، كان المستعمر يتصل بالشعب بلغته الدارجة ، يحارب بها الفصحى لغة القران الكريم و الثقافة العربية و الفكر الإسلامي>> فشرعت فرنسا بتوجيه الدراسات الاستشراقية إلى دراسة اللهجات العربية ، و إلى تدريسها لضباط الجيش الراغبين في العمل الإداري من الفرنسيين ، وقد تولى تدريس هذه اللهجات << بعض المشارقة الذين رافقوا جيش الحملة ، مثل جوني فرعون و هو ) سوري – مصري 1832 ( ، ثم واصله لويس برينيه منذ 1836 و قد شاركه في ذلك عدد آخر من المستشرقين الذين انتشروا في غرب البلاد و شرقها ، و منهم شيربونو في قسنطينة ، وماشويل في وهران ، و صدرت عن هؤلاء مجموعة من الكتب التعليمية بالعربية الدارجة و الفرنسية ، وهي كتب تقرأ من اليسار إلى اليمين ، كما صدرت عنهم قواميس في نفس الموضوع>> ومنذ ذلك الحين ، و أعداء اللغة العربية يتخذون هذه
اللهجات حجة و أداة للطعن في اللغة العربية ، فدعوا إلى ضرورة مكافحة الثنائية اللغوية [ الفصحى و العامية ]بدراسة اللهجات و تدريسها ،وإعطائها شرعية دستورية بدعوى أنها اللغة الأم للجزائريين ، ولا يجب التعامل إلا بها .
وها هو ذا عبد السلام شدادي يقول في هذا الشأن :<< لا شك أن المسلك الطبيعي و الأنجع الذي كان يجب الأخذ به عند البحث في تشكيل لغة وطنية،هو الانطلاق من اللغة الأم، أي اللغة التي تستعمل داخل الأسرة في العلاقات الاجتماعية. وهذا بالتحـديد هو ما حصل تاريخيا بالنسبة للغـــات الغربـية و بالنسبة للغـــات أخرى حديثة . وفي هذا الباب كان اختيار العامية أو الأمازيغية أو كليهما معا كمنطلق سيكون اختيارا حكيما أكثر من غيره من الاختيارات>>
هذه مجرد قطرة من بحر ، فلا تكاد تخلو مقالات و كتب هذا الاتجاه من هذه الدعوات
و النداءات .
ولكن ، هل حقا تتميز اللهجات ، بما يجعلها و يؤهلها إلى أن تكون لغة رسمية ؟
و الجواب هو : لا ؛ لأنها تفتقد إلى أساسين اثنين هما:
- عامل الكتابة: لا يخفى على أحد دور الكتابة و أهميتها بالنسبة للغة ، فكل ما تستطيع أن تؤديه اللغة الشفوية من دور يبقى ناقصا ما لم يتوج بالكتابة .
فاللهجات العربية ، أنظمة لغوية شفوية ، تفتقد لنظام كتابة خاص بها ، فحتى لو تم كتابتها بأبجدية العربية الفصحى لا يكفي ذلك ؛ لأن كثيرا من الأصوات التي ننطقها في اللهجة لا يوجد مقابل لها في أبجدية الفصحى، كما ينقصها نظام نحوي و دلالي واضح، مما يجعل مهمة المتخصصين صعبة في وضع نظام كتابة لها ،بلاضافة إلى ذلك تعد اللهجات العربية أنظمة غير متجانسة فهي مزيج من اللغات ، يصعب إيجاد نظام موحد لها .
- عامل الوحدة ،: وهو الأهم ، فكثيرا ما تتجاهل مختلف الأبحاث الداعية إلى اعتماد العاميات و الاعتراف بها هذا العامل المهم، ففي الجزائـر يوجد ما لا يعد و لا يحصى من اللهجات العـربية ، فما بالنا لو أدخلنا معها الأمازيغيات، فأي اللهجات نختار لغة وطنية
و رسمية للبلاد ؟ و أي مرجعية تحيل إليها اللهجات كي نعتمدها كلغة رسمية للدولة ؟



نعم توجد مرجعية أساسية تعود إليها اللهجات العربية ، و هي أنها تعود إلى أصل واحد و هو العربية الفصحى ، وفي هذه الحالة نعتمد الأصل و لا تعتمد الفرع ، بما أن الأصل جاهز و مفهوم و أكثر تطورا من الفرع .
فلا أحد يستطيع أن ينكر أنه من يتكلم اللهجة العربية الجزائرية مهما كان نوعها )عاصمية ، وهرا نية ، صحراوية ( يمكنه أن يفهم الفصحى و ربما يتكلمها.
و لا ينبغي أن نتصور بأن مثل هذه الآراء و الأفكار الداعية إلى تبني العاميات و نبذ الفصحى كانت مقتصرة على الجزائر فقط ، وإنما شملت كل أقطار الوطن العربي ، وفي هذا يقول ريمون طحان و دنيز بيطار طحان :<< ... و مع تقادم الزمن ، قامت دعاوي تندد بتبني العاميات ، في مختلف أجزاء العالم العربي ، و باتخاذ الدارجات و العاميات و الأميات  كلغات ر سمية مقام الفصحى ، ودعا البعض ، لوضع كتب لغة للغات الحكي التي تصطنعها الأقوام في شؤونها >>.
و الغريب في هذه المواقف هو أنها صادرة من أبناء هذا الوطن العربي ، أثرت فيهم أفكار المستشرقين و الاستعماريين ، هؤلاء الذين كان همهم الوحيد – ولا يزال - هو نشر التفرقة بين أبناء الأمة العربية الذين تجمع بينهم هذه اللغة ، و هدم لغة القران الكريم و تضييعها ،
و أنى لهم ذلك وهي محفوظة بحفظ كتابه العزيز.
.
2- اللغة العربية الفصحى :

سادت اللغة العربية الفصحى بلاد الجزائر بعد <<قدوم الفاتحين إلى الشمال الإفريقي واعتناق أهله للديانة الإسلامية كباقي دول المغرب العربي فكان هذا التعريب للمنطقة قد تم على مدى سنين عديدة أي منذ القرن السابع وقدوم عقبة بن نافع والقبائل الهلالية للمنطقة>>
ومنذ ذلك الحين ،امتزج التواجد العربي مع البربري، وأصبح للعنصر العربي << دور بارز ليس فقط في تشكيل التضاريس الاثنية واللغوية للبلاد بل وأيضا في تذويب الكثير من النتوءات العرقية واللغوية الأخرى>>
وقد شاءت الأقدار أن تكون اللغة العربية ، لغة الجزائريين التي تم اختيارها كلغة خطاب وحضارة ولغة الإبداع الأدبي والعلمي ، بل واتخاذها نموذجا في الحياة السياسية والاجتماعية لتكون بذلك اللغة الوطنية والرسمية للبلاد ، وهذا يرجع إلى مجموعة الخصائص التي تتميز بها هذه اللغة:
- تعد لغة متطورة من حيث بناؤها اللفظي والتركيبي والدلالي ،بالإضافة إلى كونها لغة مكتوبة ، دون بها تراث حضاري وثقافي ضخم.
- قداسة اللغة العربية التي استمدتها من قداسة الإسلام ،فهو الدين الذي يعتنقه الجزائريون.
- هي اللغة القومية للجزائريين ، تربطهم بالمجتمع العربي ، وتحدد انتماءهم إلى ثقافته العربية وحضارته.
وعلى الرغم من القرون التي قضاها المجتمع الجزائري تحت لواء الدولة العثمانية ، فلم يستعمل فيها لغته التركية ، فهذه اللغة <<لم تكن معروفة خارج الإدارة المركزية بالعاصمة والثكنات .... وقد كانت وسيلة التواصل بين الجزائريين ، وهي اللغة العربية، مهما تباعدوا في المكان ،وهي لغة الكتاب عندهم ولغة الخطاب الرسمي , واللغة الأدبية والدينية ، وبها كانوا يتعلمون وبها يحررون السجلات القضائية والمداولات العرفية ويعقدون الاتفاقيات الدولية والصفقات التجارية ، بالإضافة إلى تأليف الكتب وقرض الشعر>>
ولكن هيهات أن تبقى على هذه الوضعية ، و نية الاستعمار الفرنسي كانت واضحة
في القضاء على الثقافة العربية الإسلامية وكل ما يمت لها بصلة.
فلم يتردد المستعمر الفرنسي في تعطيل عمل المراكز الثقافية العربية كالمدارس والجوامع والزوايا التي كانت قائمة في البلاد، فحول البعض منها إلى معاهد للثقافة الفرنسية وبعضها سلمه إلى الهيئات التبشيرية المسيحية التي اتخذتها مراكز لنشاطها في هدم عقيدة الجزائريين ، وهدم بعضا من هذه المراكز بدعوى إعادة تخطيط المدن الجزائرية ، ومن أمثلة ذلك : كان في مدينة قسنطينة قبل دخول الاحتلال إليها سنة 1837 ثمانون مدرسة ، وسبعة معاهد ، وثلاثمائة مدرسة وزاوية ، لم يبق بعد الاحتلال سوى ثلاثين مدرسة .
ولم تقف سياسة فرنسا عند هذا الحد في مكافحة اللغة العربية ، بل تعداه إلى أسوء من ذلك ، وقد قامت بفرنسة التعليم في المراحل الابتدائية ، وجعلها لغة أجنبية واختيارية في بقية المراحل الأخرى .
و قسمت اللغة العربية إلى ثلاث لغات منفصلة عن بعضها البعض ،يمكن في نظر فرنسا إهمالها جميعا في التعليم :
1) عربية عامية يستعملها الشعب ، وهذه لا قيمة لها ، وبالتالي ليست صالحة للتعليم .
2) عربية فصحى << لغة القرآن >> وهذه اللغة مثلها مثل اللغتين اليونانية واللاتينية تعتبر لغة ميتة .
3) عربية حديثة وهي معروفة بصورة باهتة ، وغير شائعة بين أفراد المجتمع.
ولم تقتصر عملية الفرنسة على مراكز التعليم ، بل شملت مختلف أجهزة الدولة ومؤسسات العمل .
ولكن على الرغم من كل هذا << ظلت [الفصحى] تقاوم في بعض الزوايا التي يسمح لها بالنشاط التعليمي مثل: زوايا زواوة ، وزاوية الهامل،وزاوية طولقة وكانت المساجد الرسمية قد حافظت أيضا على الفصحى إلى حد كبير من جهتين : الجهة الأولى هي الخطب الدينية....والجهة الثانية هي بعض الدروس العامة.....>> .
وربما مجهودات هذه المساجد والزوايا في تعليم اللغة العربية ونشرها بين الجزائريين , كانت سببا مباشرا في نجاح عملية [التعريب] التي خاضتها الجزائر بعد الاستقلال ، فلا أحد كان يظن أن هذه السياسة ستنجح بعد قرن وثلث قرن من سياسة التهميش التي تعرضت لها اللغة العربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق